الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)
.سنة ست وثلاثين ومائتين وألف: .شهر المحرم سنة 1236: استهل شهر المحرم بيوم الاثنين، وفي أوائله حضر الباشا من الإسكندرية.وفيه، الحوادث أن الشيخ إبراهيم الشهير بباشا المالكي بالإسكندرية قرر في درس الفقه أن ذبيحة أهل الكتاب في حكم الميتة لا يجوز أكلها وما ورد من إطلاق الآية فإنه قبل أن يغيروا ويبدلوا في كتبهم فلما سمع فقهاء الثغر ذلك أنكروه واستغربوه ثم تكلموا مع الشيخ إبراهيم المذكور وعارضوه فقال أنا لم أذكر بذلك بفهمي وعلمي وإنما تلقيت ذلك عن الشيخ علي الميلي المغربي وهو رجل عالم متورع موثوق بعلمه، ثم أنه أرسل إلى شيخه المذكور بمصر يعلمه بالواقع فألف رسالة في خصوص ذلك وأطنب فيها فذكر أقوال المشايخ والخلافات في المذاهب واعتمد قول الإمام الطرطوشي في المنع وعدم الحل وحشا الرسالة بالحط على علماء الوقت وحكامه وهي نحو الثلاثة عشر كراسة وأرسلها إلى الشيخ إبراهيم فقرأها على أهل الثغر فكثر اللغط والإنكار خصوصاً وأهل الوقت أكثرهم مخالفون للملة وانتهى الأمر إلى الباشا فكتب مرسوماً إلى كتخدا بك بمصر وتقدم إليه بأن يجمع مشايخ الوقت لتحقيق المسئلة وأرسل إليه بالرسالة أيضاً المصنفة فأحضر كتخدا بك المشايخ وعرض عليهم الأمر فلطف الشيخ محمد العروسي العبارة وقال الشيخ علي الميلي رجل من العلماء تلقى عن مشايخنا ومشايخهم لا ينكر علمه وفضله وهو منعزل عن خلطة الناس إلا أنه حاد المزاج وبعقله بعض خلل والأولى أن نجتمع به ونتذاكر في غير مجلسكم وننهي بعد ذلك الأمر إليكم فاجتمعوا في ثاني يوم وأرسلوا إلى الشيخ علي يدعونه للمناظرة فأبى عن الحضور وأرسل الجواب مع شخصين من مجاوري المغاربة يقولان أنه لا يحضر مع الغوغاء بل يكون في مجلس خاص يتناظر فيه مع الشيخ محمد ابن الأمير بحضرة الشيخ حسن القويسني والشيخ حسن العطار فقط لأن ابن الأمير يناقشه ويشن عليه الغارة فلما قالا ذلك القول تغير ابن الأمير وأرعد وأبرق وتشاتم بعضمن بالمجلس مع الرسل وعند ذلك أمروا بحبسهما في بيت الآغا وأمروا الآغا بالذهاب إلى بيت الشيخ علي وإحضاره بالمجلس ولو قهراً عنه فركب الآغا وذهب إلى بيت المذكور فوجده قد تغيب فأخرج زوجته ومن معها من البيت وسمر البيت فذهبت إلى بيت بعض الجيران، ثم كتبوا عرضاً محضراً وذكروا فيه بأن الشيخ علياً على خلاف الحق وأبى عن حضور مجلس العلماء والمناظرة معهم في تحقيق المسئلة وهرب واختفى لكونه على خلاف الحق ولو كان على الحق ما اختفى ولا هرب والرأي لحضرة الباشا فيه إذا ظهر وكذلك في الشيخ إبراهيم باشا السكندري وتمموا العرض وأمضوه بالختوم الكثيرة وأرسلوه إلى الباشا وبعد أيام أطلقوا الشخصين من حبس الآغا ورفعوا الختم عن بيت الشيخ علي ورجع أهله إليه وحضر الباشا إلى مصر في أوائل الشهر ورسم بنفي الشيخ إبراهيم باشا إلى بني غازي ولم يظهر الشيخ علي من اختفائه..شهر صفر سنة 1236: واستهل شهر صفر بيوم الأربعاء، وفي أوائله حضر إبراهيم باشا من الجهة القبلية بعد ما طاف الفيوم أيضاً واحضر معه جملة أشخاص قبض عليهم من المفسدين من العربان وهم في الجنازير الحديد وشقوا بهم البلد، ثم حبسوهم..شهر ربيع الأول سنة 1236: واستهل شهر ربيع الأول بيوم الخميس، وفي أوائله حضر نحو العشرة أشخاص من الأمراء المصرية البواقي في حالة رثة وضعف وضيم واحتياج واجتياح وكانوا أرسلوا وطلبوا الأمان وأجيبوا إلى ذلك.وفيه أشهروا العربان الذين أحضرهم إبراهيم باشا معه وقتلوهم وهم أربعة اثنان بالرميلة واثنان بباب زويلة..شهر ربيع الثاني سنة 1236: وفيه أخرج الباشا عبد الله بك الدرندلي منفياً وكان عبد الله بك هذا يسكن بخطة الخرنفش وهو رجل فيه سكون قليل الأذى وملك بتلك الناحية دوراً وأماكن وله عزوة وعساكر وأتباع وكان يجلس بحضرة الباشا وينادمه ويتوسع معه في الكلام والمسامرة وسبب تغير خاطر الباشا عليه أنه جرى ذكر علي باشا تبدلان الأرنؤدي وحروبه ومخالفة العساكر عليه فقال عبد الله المذكور أن العساكر يرون محاربة السلطان معصية أو كلاماً هذا معناه فتغير وجه الباشا من ذلك القول ويقال أنه أمر بقتله فشفع فيه حسن باشا طاهر من القتل وأن يخرج منفياً هكذا أشيع واستفيض وانضم إلى ذلك أنه قال لشريف بك أمين الخزنة عند تأخر علوفته خدمة نصراني أحسن من خدمتكم مع المشاجرة فبلغها شريف بك للباشا أيضاً وأوغر صدره عليه ودفع له الباشا علوفته وثمن ما حازه من الأماكن والأملاك ووصله على عدة جمال محملة بالدراهم وسافر في ثامنه على طريق البر وأبقى حريمه وأثقاله ليأتوه على سفن البحر.وفي ستدس عشره، أمر الباشا بقراءة صحيح البخاري بالجامع الأزهر فاجتمعوا في يوم الاثنين سابع عشره وقرأوا في الأجزاء على العادة ضحوة النهار أربعة أيام آخرها الخميس وفرقوا على أولاد المكاتب دراهم وكذلك على مجاوري الأزهر في نظير قراءة البخاري..شهر جمادى الأولى سنة 1236: فيه حضر إبراهيم باشا ونزل بقصره الجديد بل قصوره لأنه أنشأ عدة قصور متصلة وبساتين ومصانع متسعة مزخرفة منها قصر لديوانه وقصر لحريمه وقصر لخصوص عباس باشا ابن أخيه وغير ذلك..شهر جمادى الثانية سنة 1236: استهل بيوم الثلاثاء، فيه عزم إبراهيم باشا على إعادة قياس أراضي قرى مصر وأحضر من بلاد الصعيد عدة كبيرة من القياسين نحو الستين شخصاً.وفي يوم السبت خامسه، عدى إلى الجيزة تجاه القصور وجمع القياسين والمهندسين وكذلك مهندسي الإفرنج وقاس كل قياسته وكيفية عمله فعاند المعلم غالي وأحب تأييد أهل حرفته من قياسي القبط وقال كل منهم على الصحيح وعلم إبراهيم باشا أن قياس المهندسين وأرباب المساحة أصح ولكن فيها بطء فقال أريد الصحيح ولكن مع السرعة بعد أن عمل امتحاناً ومثالاً في قطعة من الأرض يظهر بها برهان الصحة والتفاوت وأمسى الوقت فأمرهم بالذهاب والرجوع يوم الخميس الآتي فحضروا كذلك واشتغلوا يومهم بالعمل إلى آخر النهار، ثم اختار من مهندسي الأقباط طائفة وطرد الآخرين وسافر في رابع عشره إلى ناحية شرق اطفيح وأخذ م المهندسخانه كبيرها وصحبته سبعة عشر شخصاً وكذلك أشخاصاً من الإفرنج المهندسين وانتقصوا من القصبة في هذه المرة مقدار قبضة..شهر رجب سنة 1236: واستهل شهر رجب بيوم الخميس، فيه سافر مماليك الباشا إلى جهة أسيوط مثل العام المضي ليكرتنوا هناك حذراً وخوفاً عليهم من حدوث الطاعون بمصر.وفي سابع عشره ارتحل محمد بك الدفتردار مسافراً إلى دار فور ببلاد السودان بعد أن تقدمه طوائف كثيرة عساكر أتراك ومغاربة.وفي خامس عشرينه أمر الباشا بنفي محمد المعروف بالدرويش كتخدا محمود بك الذي هو الآن كتخدا بك والسيد أحمد الرشيدي كاتب المرزق وسليمان أفندي ناظر المدابغ والجلود ثلاثتهم إلى قلعة أبي قير لمقتضيات واهية في خدم مناصبهم ومحمد كتخدا كان ناظراً على الجلود في العام الماضي قبل سليمان أفندي المذكور.وفي أواخره حضر جماعة من المماليك المصرية الذين كانوا بدنقلة فيهم ثلاثة صناجق أحدهم أحمد بك الألفي وهو زوج عديلة هانم بنت إبراهيم بك الكبير..شهر شعبان سنة 1236: واستهل شهر شعبان بيوم الجمعة، في ثامنه يوم الجمعة عمل سليمان آغا السلحدار الجمعية بالجامع المعروف بالأحمر وكان قد تخرب ولم يبق به إلا الجدران فتصدى لعمارته سليمان آغا المذكور وسقفه أيضاً بأفلاق النخيل والجريد والبوص وأقام له عمداً من الحجارة وجدد منبره وبلاطه وميضاته ومراحيضه وفرشه بالحصر وعمل به الجمعية في ذلك اليوم واجتمع به عالم كثيرون من الناس وخطب على منبره الشيخ محمد الأمير وبعد انقضاء الصلاة قرأ درساً وأملى فيه حديث من بنى لله مسجداً وبعد انقضاء ذلك خلع عليه فروة وكذلك على الشيخ العروسي وعمل لهم شربات سكر.وفي يوم السبت ثالث عشرينه، حضر إبراهيم باشا من ناحية شرق اطفيح.وفي يوم الثلاثاء سادس عشرينه، سافر بمن معه إلى ناحية شرقية بلبيس..شهر رمضان 1236: واستهل شهر رمضان بيوم الأحد وعملت الرؤية في تلك الليلة كالعادة وركب فيها مشايخ الحرف والمحتسب وأثبتوا رؤية الهلال تلك الليلة بعد مضي أربع ساعات من الليل ولم يحصل فيه من الحوادث غير تغالي الأثمان وتعاليها بسوء فعل السوقة وإظهار رديء المأكولات وإخفاء جيدها وقد انقضى بخير..شهر شوال سنة 1236: واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء، في ثالثه حضرت هجانة من أراضي نجد وبصحبتهم أشخاص من كبار الوهابية مقيدون على الجمال وهم عمر بن عبد العزيز وأولاده وأبناء عمه وذلك أنهم لما رجعوا إلى الدرعية بعد رحيل إبراهيم باشا وعساكره وكان معهم مشاري بن مسعود وقد كانوا هربوا في الدرعية بعدم رحل عنها إبراهيم باشا وتركي ابن عبد الله ابن أخي عبد العزيز وولد عم مسعود الأمشاري فإنه هرب من العسكر الذين كانوا مع أولاد مسعود وجماعتهم حين أرسلهم إبراهيم باشا إلى مصر في الحمراء وهي قرية بين الجديدة وينبع البحر وذهب إلى الدرعية واجتمع عليه من فرحين قدمت العساكر وأخذوا في تعميرها ورجع أكثر أهلها وقدموا عليهم مشاري ودعا الناس إلى طاعته فأجابه الكثير منهم فكادت تتسع دولته وتعظم شوكته، فلما بلغ الباشا ذلك جهز له عساكر رئيسها حسين بك فأوثقوا مشاري وأرسلوه إلى مصر، فمات في الطريق وأما عمر وأولاده وبنو عمه فتحصنوا في قلعة الرياض المعروفة عند المتقدمين بحجر اليمامة وبينها وبين الدرعية أربع ساعات للقافلة فنزل عليهم حسين بك وحاربهم ثلاثة أيام أو أربعة وطلبوا الأمان لما علموا أنهم لا طاقة لهم به فأعطاهم الأمان على أنفسهم فخرجوا له إلا تركي فإنه خرج من القلعة ليلاً وهرب، وأما حسين بك فإنه قيد الجماعة وأرسلهم إلى مصر في الشهر المذكور وهم الآن مقيمون بمصر بخطة الحنفي قريباً من بيت جماعتهم الذين أتوا قبل هذا الوقت..شهر ذي القعدة سنة 1236: واستهل شهر ذي القعدة بيوم الأربعاء، فيه حضر إبراهيم باشا من سرحته بالشرقية بسبب قياس الأراضي والمساحة.وفي منتصفه سافر الباشا إلى الإسكندرية لداعي حركة الأروام وعصيانهم وخروجهم عن الذمة ووقوفهم بمراكب كثيرة العدد بالبحر وقطعهم الطريق على المسافرين واستئصالهم بالذبح والقتل حتى أنهم أخذوا المراكب الخارجة من إسلامبول وفيها قاضي العسكر المتولي قضاء مصر ومن بها أيضاً من السفار والحجاج فقتلوهم ذبحاً عن آخرهم ومعهم القاضي وحريمه وبناته وجواريه وغير ذلك وشاع ذلك بالنواحي وانقطعت السبل فنزل الباشا إلى الإسكندرية وشرع في تشهيل مراكب مساعدة للدونانمة السلطانية وسيأتي تتمة هذه الحادثة وبعد سفر الباشا سافر أيضاً إبراهيم باشا إلى ناحية قبلي قاصداً بلاد النوبة.
|